بعد كنس السيدة
سيدة بسيطة في منتصف العمر، ممن تتوقع أن تراهم حول ضريح الست، وقفت بين المتظاهرين و أصرت بعد أن خف الهتاف و بدأ المتظاهرون في التفرق أن تلقن أحد الهتيفة الشباب درسا في أن لا يقرن في هتافاته شبه التهديدية بين السادات و مبارك، لأن السادات بطل شهيد.¶
كانت معاني الهتافات تتغير نغمتها بين كل وصلة و أخرىٰ ما بين استعراض بؤس الحالة التي وصل إليها الشعب و الوطن المنهوب، إلىٰ إعلان عن الغليان المكبوت و التبشير بقرب الثورة و التحذير التهديدي بأن الحل العنيف الذي ينهي الوضع برمته دائما قائم و التذكير بالتاريخ القريب.¶
رابطة الطرق الصوفية، ببيان تبرؤها من المظاهرة خلعت عن نفسها صوفة إيقاظ ضمير الشعب و الدأب علىٰ إنارة قلوب الناس قبل إضاءة مساجدهم. تخلوا عن تراث طويل من تحري العزة. ثم أنهم بإعلانهم هذا أثبتوا ما نفوه فيه من ابتعادهم عن العمل السياسي، تماما كبيعتهم القريبة للرئيس، و بهذا قدموا أوراق تسجيلهم كمؤسسة فارغة أخرىٰ يصيح منها النظام فيتضخم صوته.¶
كنت توقعت أن يثير استخدام العلم القديم المرتبط بالملكية و حاليا بالموالد و الديكورات الفانتازية احتجاج البعض، بالإضافة لفكرة الاستنجاد بالولي نفسها. يعني أغضبت الدعوة الناصري و السلفي علىٰ حد سواء، مع أن الفكرة هي استلهام التراث الشعبي و دين العامة الذي لا يتطابق بالضرورة مع الدين المؤسساتي الرسمي. و هذه حقيقة في كل الأديان، و دائما ما تنكر.¶
في الأيام الماضية وجدتني أعيد توضيح فكرة أن كنس ضريح الولي قربان رمزي لجأت إليه النسوة في أوقات الشدة ليتبعنه بالشكوىٰ و طلب المدد.¶
في المظاهرة، كان فيكتور يرفع إحدىٰ طرفي اللافتة الخضراء التي كُتب عليها مدد يا ست
و يلفت نظر المصورين الذين يوجهون عدساتهم إليه إلىٰ الصليب القبطي الموشوم علىٰ رسغ يده التي يحمل بها اللافتة الصندوقية المبتكرة. لو انتبه أحد المصورين إليها لحصل علىٰ لقطة مقربة محملة بالمعاني.¶
المكانس القشية الصغيرة التي رفعها أشخاص معدودون لم توح لي بمعاني محددة. بالنسبة لي كان استلهام الطقس التراثي مجردا و الهدف منه جمع المصريين حول رمز شعبي. حتىٰ الخواجة الذي سألني أن أعطيه ملخصا لما يحدث، فاتني أن أشرح له فكرة استلهام الطقس الشعبي أساسا. نعم كان هناك أجانب حاضرون، غير مراسلي القنوات الأجنبية.¶
شاب قصير غلب علىٰ ملبسه اللون الأخضر، أراد أن يستبدل اللافتة الورقية التي أعطيتها له بأخرىٰ تحمل اسم السيدة حبا و تقربا. سرعان ما وجدته قد شق طريقه وسط الصفوف ليشارك في رفع اللافتة الخضراء التي كتب عليها مدد يا ست
و أخذ ينشد بصوت خفيض طغت عليه الهتافات المحفوظة أمداحا صوفية للسيدة و آل البيت..طلبت منه أن يرفع صوته و وددت لو تحولت كل الأصوات للترديد وراءه.¶
بعد قليل، سمعته يحدث أحد المتظاهرين: ما تخافش، انت هنا في حماية السيدة..يعني اللي يتعرضلك ربنا هيحرقه.
¶
حضر هذه المظاهرة أقل من أربعمئة شخص، بينما حضر أكثر من ألف و خمسمئة مظاهرة الشموع عند ضريح سعد الأسبوع الماضي التي حشدت لها كفاية.¶
في البداية كانت حركة المشاة و المرور في الشارع الذي وقف علىٰ رصيفه المتظاهرون قليلة جدا مع أنه شارع حيوي، غالبا بفعل الشرطة. لكن مع مرور الوقت، بدأ يزداد عبور الباصات العامة ينظر من خلف نوافذها أناس في فضول. لم أكن متأكدا ما إذا كان صوت هتاف المتظاهرين يصلهم أو المغزىٰ من التجمع مفهوما.¶
لم أهتف في هذه المظاهرة ولا التي قبلها و اكتفيت بمسك الشمعة و برفع اللافتات؛ لكني وجدتني أردد بلا تردد تحيا مصر
.¶
(4) تعليقات
فخور بكم، المظاهرة نجحت رغم كل التوقعات اسلبية والمخاطرة الكبيرة، المظاهرة المضادة دليل على الخوف منها وذكاء توجهها.
“يا سيدة يا ام يا هاشم يا طويلة الباع
قلبك على اللي اشترى ولا اللي عاود باع
يا بخته اللي اشترى يا تعسته اللي باع”
بوحي من رامي في قائمته بالأفكار المبتكرة التي تجمعت هنا وهناك، أقترح مظاهرة جذابة جدا ومؤثرة جدا: مظاهرة موسيقية، حفلة في الشارع (“نحوهم / حاسبوهم / القاتلين / الكذابين / العنصريين / البياعين / الغدارين / الجاهلين / الحسادين / الفشارين… [رشيد طه، من ألبوم تيكيتوا 2005]) إمام، منير، سيد درويش، تراث مقاومة القنال، زياد، جل جلاله، السيرة الهلالية…
Hamuksha @ 19:55 2005/06/16
أعمالكم عظيمة!
أتمنى أن تكون هذه الظاهرة منتشرة في كل العالم العربي, تظاهر ديموقراطي سلمي و محاولة لفرض رأي الشارع و تحطيم البرج العاجي.
ولكن… توقعت أن يكون عدد المتظاهرين أكبر!
Amr @ 10:26 2005/06/17
حقيقي المنظر كان يفرح ..انا كمان مهتافتش ..اكتفيت أني أتفرج..وجايز لأن صوتي واطي .. رغم مهاجمة البعض لأهمية التظاهر لكني مازلت مصر علي أنها ألخطوه الأولي في التعبير الشعبي..واللي مش عجبه يعمل مظاهرة مضادة
اقتراح حموكشه هايل لكن صعب التنفيذ
للأسف!!!
Y.mejahd @ 06:02 2005/06/19
و أنا أيضا لم أهتف…
أمزح طبعا!
Mohammed @ 14:09 2005/06/19
عذرا، التعليقات مقفلة.