هذه الصفحة تعتمد على صفحات الطرز المتراصة (CSS)
|
2006/01/20

مجهولو و معلومو المدونين

استكمالا لتعليقي علىٰ الفكرة الرئيسة في مقالة جهاد الخازن أقول أني أجدني أميل لأن لا أشاركه قلقه من مجهولية المدونين العرب، فمثال المدون الذي عرف باسم المُطوَّع الذي ذكره كمؤشر علىٰ ما الأثر السلبي الذي يمكن أن يحدثه شخص ذو توجهات مسبقة و دعم من جهات لها أغراض و أهداف محددة هدامة، هو في رأيي مثال كارتوني مبالغ فيه، و لا أعني أنه غير حقيقي فقد كنت وقعت تلك هذه المدونة من قبل، بل إن الشخصية التي رسمها هذا المدون المثال لنفسه تجعل ترسيخ مصداقيته عند المتلقين أصعب، و الأغلب أن تفهم كتاباته في إطار أنها لشخص غربي معاد المجتمعات العربية و الإسلامية و ليس علىٰ أنها لشخص من داخل العالم العربي يسعىٰ للنقد البناء. علىٰ الأقل كان هذا انطباعي عنها، لذلك لم أعد إليها أبدا و لا أعرف أين هي الآن لولا أني بحثت عنها لكي أربط إليها في معرض حديثي هذا للتوثيق. و لا حاجة لأذكِّر بأننا نعيش في العالم العربي، حيث كل فكر مشتبه به و توجيه الاتهامات بالعمالة يسبق إلقاء السلام، و حيث لا مجال لحسن الظن الساذج في نفوس الغالبية، إلا ما اختاروا طبقا لانتقائهم المعرفي.

كما أختلف مع هيثم صباح في الخط الذي تابعه استكمالا لطرح الخازن. فالمقارنة التي يعقدها بين إبداء المجهولين لآرائهم و اشتراكهم في الجدل العام و بين التصويت في انتخابات افتراضية تعتمد التقنيات الحديثة هي مقارنة غير موضوعية في أي ناحية من النواحي. كما أني علىٰ خلافه لا أرىٰ أنه توجد مؤشرات صلبة و محددة يمكن الاستناد إليها لبناء الثقة بين القارئ و المدون الذي لا تربطه به علاقة شخصية غير الفطنة الشخصية و شبكة الثقة و أيضا الانتقائية المعرفية، فنحن نصدق ما نريد أن نصدق، هذا ما لم يقدم الكاتب أوراقا تحقيق شخصية و ما لم يتكبد القارئ عناء التوثق من صحتها. هذه النقط الأخير يمكنني بسهولة ان ننقل النقاش بشأنها من السياق الاجتماعي التي هي فيه إلىٰ السياق التقني المرتبط بإنترنت نفسها و بنيتها الاجتماعية-التقنية، لكني سأقاوم هذا مؤقتا.

أرىٰ أن معلومية أو مجهولية المدون كعامل مؤثر في الثقة تأتي في الدرجة الثانية. المعلومية و المجهولية لهما دور آخر هو خلق مدرسة أو تيار فكري، حيث لا يمكن تصور قيام تيار فكري و حراك مؤثر بناء علىٰ أفكارِ مجهولٍ مع إدراكي بأن الأطروحات الاجتماعية و السياسية هي فعلا جل ما يدور في عالم التدوين، إلا أن الصحافة الشعبية كناقل للأخبار و مراقب لمصداقية الإعلام الرسمي و رقيب علىٰ الشأن العام و محلل للوضع السياسي يعرض المسلمات و الافتراضات التي بني عليها تحليله، لا تستند بالضرورة إلىٰ هذه الدعامة، تماما كما لا تستند مصداقية البحث الأكاديمي علىٰ شخصية الباحث (و لا أدعي وجود تقارب هنا) و أمثلة علىٰ ذلك هو التحليلات السياسية لاثنين من أشهر المدونين هما صاحب طق حنك و بهية، و كلاهما مجهولان، إلا إذا اعتبرنا امضاء مقالات طق حنك باسم محمد هو بمثابة إفصاح عن الهوية!

و ما أراه هو أن معظم كتابات المدونين المجهولين يمكننا من خلال متابعتها عن قرب استشفاف ملامح من الحياة الشخصية للمدونين و رسم صورة عن هوياتهم الحقيقية. هذا ما لم تنأ كتاباتهم تماما عن كل ما هو شخصي بحيث تصبح أقرب إلىٰ البيانات و البلاغات و نَسخ لما في الصحافة أو إعادة نشر الأعمال الأدبية أو ما لم تكن تحليلاتٍ سياسية بحتة أشبه بما نقرؤه في افتتاحيات الصحف الكبرىٰ، أو ما لم يبذل المدون جهدا لحجب كل ما يشير إلىٰ شخصيته، و هذا كله إن انطبق عليها يخرجها عن التعريف السائد للمدونة من أنها سجل شخصي، حتىٰ لو استخدمت تقنيات نظم إدارة المحتوىٰ الشخصية الموجهة أساسا للتدوين.

و علىٰ النقيض من هذا نجد أن الهويات العلنية التي يقدمها لنا مدونون معلومون (مبدئيا) قد تكون حقيقية و قد لا تكون كذلك، حيث أن اختلاق تاريخ و سيرة ذاتية ليس عسيرا لا يتطلب أكثر من خطة محكمة و بعض المثابرة، بما في ذلك ما يصحبها من لمحات شخصية مسربة عمدا لإكمال الحبكة، و نبذات حياتية و صور شخصية. رأينا أن هذا حدث في العالم المادي الذي يكون فيه الاختلاق و التزييف أصعب بكثير مما هو علىٰ إنترنت.

في النهاية تظل شبكة الثقة و الحكم الشخصي اللذين طرحهما صباح كعوامل مؤثرة في مصداقية المدونين المجهولين هي نفسها العوامل المؤثرة في مصداقية المعلومين، بالإضافة إلىٰ شبكة الثقة.

كل هذا ما لم يكن المدون شخصية عامة في الحياة الواقعية بحيث لا تنطبق حدود هذا النموذج التحليلي عليه الذي يُعنىٰ بالأشخاص العاديين، الذين بدأوا التدوين دون أن يكونوا مشاهير في مجتمعاتهم و هو النموذج الذي كان في مخيلتي أثناء طرحي هذا و إن كنت لم أجد في طرح الخازن أو صبّاح ما يشير إلىٰ أنهما كانا يعنيانه.

تعليق واحد

  1. ذكرت أيضا رأيي سريعا عن مجهولية المدونين في حواري مع موقع تدوين..
    إن المصداقية ليست حقا للمعروفين لمجرد أننا نعرف أسماءهم..كثيرا من المجهولين يكونون أصدق من أغلب المعروفين..
    وفي بلادنا..فكثير من الناس مجهولون لأنهم يحاولون أن يكونوا صادقين!

    مع ملاحظة أنه في حالة الإخبار بالرأي..فالأمر لا يتعلق بالمصداقية أساسا..نحن نتكلم عما إذا كانت المدونة تنقل أخبارا أو أحداثا على وجه التحديد!

      Yahya_Ayash @ 10:10 2006/01/22

عذرا، التعليقات مقفلة.